أخبار مهمةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة خطبة الأسبوع ، خطبة الجمعة القادمة، خطبة الاسبوع، خطبة الجمعة وزارة الأوقافعاجل

خطبة بعنوان : “السخي قريب من الله قريب من الناس قريب من الجنة”، لفضيلة الشيخ عبد الناصر بليح، بتاريخ 22 من ربيع الآخر 1438هـ، الموافق 20 يناير 2017م

خطبة بعنوان : “السخي قريب من الله قريب من الناس قريب من الجنة”، لفضيلة الشيخ عبد الناصر بليح، بتاريخ 22 من ربيع الآخر 1438هـ، الموافق 20 يناير 2017م.

لتحميل الخطبة بصيغة word أضغط هنا

لتحميل الخطبة بصيغة pdf أضغط هنا

 

ولقراءة الخطبة كما يلي:

الحمد لله رب العالمين.. وأشهد أن لا إله إلا الله رب العرش الكريم .. لا شريك له في سلطانه .. وأشهد أن سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم القائل:”السخي قريب من الله، قريب من الجنة، قريب من الناس، بعيد من النار، والبخيل بعيد من الله، بعيد من الجنة، بعيد من الناس، قريب من النار، ولجاهل سخي أحب إلى الله تعالى من عابد بخيل”(الترمذي).

.أما بعد فيا أيها الأخوة الكرام:

عن أخلاق الإسلام الفاضلة،لازلنا نعاود الحديث وعن مكارم الأخلاق  وصالحها نتحدث  وعن خصلة من خصال الإسلام  العظيمة، ومع خُلُق به تسُود المحبَّة والمودَّة والرحمة في المجتمعات، وبه يكون التآزر والتعاون والتضامن بين الناس، مع خُلقٍ من أخلاق المرسلين، وصفة من صفات الصالحين؛ إنَّه الجود والكرم. وما أحوج النَّاس إلى هذا الخُلق العظيم، في زمنٍ فشَت فيه كلُّ مظاهر الأنانية والبخل والشح.

فهل هناك فرق بين الجود والكرم والسخاء ؟

 نعم الجود هو :”صفة تحمل صاحبَها على بذل ما يَنبغي من الخير لغير عِوَض ولاغرض” .والكرم:” إنفاق المال الكثير بسهولة من النَّفس في الأمور الجليلة القدر الكثيرة النَّفع

والسخاء :يشمل الجود والكرم والبذل والعطاء.وهي صِفة يتحلَّى بها مَنْ يَتَّسِع في العَطاء، أي مَنْ يُعطي أو يَهَب أَكثر ممَّا هو مَفْروض فيه أعطي بسخاء. :”السخي قريب من الله، قريب من الجنة، قريب من الناس، بعيد من النار، والبخيل بعيد من الله، بعيد من الجنة، بعيد من الناس، قريب من النار، ولجاهل سخي أحب إلى الله تعالى من عابد بخيل”(الترمذي).

 

ويُظهِر عيبَ المرء في الناس بُخلُه                                                        

ويَستُره عنهم جميعًا سخاؤه.                          

تغَطَّ بأثواب السخــــــاء فإنَّني                                                                        

أرى كل عَيبٍ و السخاءُ غِطاؤهُ.

ولكن الجود والكرم أنواع متعددة، وأشكالٌ مختلفة، وكل أحد يجود بما استطاع؛ من إطعام جائع، وقضاء حاجة، وإعانة محتاج، وتعليم ونصح وإرشاد.. والجود والكرم خلُق عظيم، وعملٌ صالح جليل، أَمر به ربُّ العالمين، وحثَّ عليه سيد المرسلين.

أخوة الإيمان والإسلام : ديننا الإسلام دين يدعو إلى البَذل والإنفاق، ويرغِّب في الكرَم والسَّخاء، وينهى على الشحِّ والبخل، ويحذِّر من المنع والإمساك.الإسلام دينٌ يحبِّب إلى أتباعه أن تكون نفوسهم سخيَّة، وأكفهم ندِيَّة، ويوصيهم بالمسارعة إلى دواعي الإحسان ووجوه البرِّ، وأن يجعلوا تقديمَ الخير إلى النَّاس شُغلَهم الدائم، لا ينفكون عنه في صباح أو مساء، قال سبحانه:” الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ” (البقرة: 274).

فمِن الواجب على المسلِم أن يَقتصد في مطالب نفسه؛ حتى لا تَسْتَنفِدَ مالَه كلَّه، وعليه أن يُشرك غيرَه فيما آتاه الله من فَضله، وأن يجعل في ثرْوته متَّسَعًا يُسعِفُ به المنكوبين ويُريح المتعَبين؛ ولذلك ورد الأمر بالإنفاق على القرابة والمساكين مقرونًا بالنهي عن التبذير، في قوله سبحانه: ” وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا “(الإسراء/ 26، 27).

والجود والكرم من صفات الله عز وجل: فالكريم من أسمائه، والجود والكرم من صفاته، قال سبحانه: ” يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ  الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ  فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ “(الانفطار/6 – 8). عن طلحة بن عبيدالله قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : “إنَّ الله جواد يحبُّ الجوادَ، ويحب معاليَ الأخلاق، ويكره سَفْسافها”( ابن أبي شيبة، وصححه ). . فما من نعمة يمنُّ الله تعالى بها على عباده إلاَّ وهي من محض فضله وجوده، وكرَمه وإحسانه؛ قال سبحانه: ” وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ” (النحل: 53).  وقال عز وجل: ” وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا “(النحل/ 18).  هو الكريم الذي يَغفر للمذنبين، ويعفو عن المسيئين، ويقبل توبةَ التائبين؛ ” وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ  وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ “(الشورى: 25، 26).

**وهو الكريم الذي كرَّم الإنسان وفضَّله؛” وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً “(الإسراء: 70).

**وهو الكريم الذي يُعطي السائلين، ويجيب دعوة المضطرين؛ ” أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ “(النمل: 62).

عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبيِّ صلي الله عليه وسلم  قال: “إنَّ يمين الله مَلأى لا يَغِيضُها نفَقة، سَحَّاءُ الليل والنَّهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السَّموات والأرض؛ فإنَّه لم ينقص ما في يمينه، وعرشه على الماء، وبيده الأخرى القبض يَرفع ويخفض”. (البخاريُّ ومسلم).

**وهو الكريم الذي قرن صفة الملك الحق بصفات الإلوهية فقال تعالي:”  أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ  فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ “(المؤمنون/115-116).  فتعالى الله الملك الحق عما يصفه به هؤلاء المشركون، من أن له شريكاً، وعما يضيفون إليه من اتخاذ البنات . لا إِلَهَ إِلا هُو يقول: لا معبود تنبغي له العبودية إلا الله الملك الحقّ” رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ .

والكرم من صفات الملائكة :

 أيها الناس يقول الله  تعالى في وصفهم: “كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ   وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ   كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ “(الانفطار: 9 – 12).

والجود والكرم من سمات الأنبياء والرسل:

قال تعالى عن إبراهيم عليه السلام: ” هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ  إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ  فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ “(الذاريات/ 24 – 27). عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبيِّ صلي اله عليه وسلم  أنه قال: “الكريمُ ابنُ الكريم ابنِ الكريم ابنِ الكريم؛ يوسفُ بنُ يعقوب بنِ إسحاق بنِ إبراهيم عليهم السلام”(البخاري).

ونبينا المصطفى صلي الله عليه وسلم  ضرب لنا أروع الأمثلة في الكرم والجود فهو  مَثَلٌ لا يُضاهى، وقدوة لا تُسامى في الجود والكرم، فقد بلغ صلوات الله وسلامه عليه مرتبةَ الكمال الإنساني في حبِّه للعطاء؛ إذ كان يعطي عطاءَ مَن لا يحسب حسابًا للفقر ولا يخشاه؛ ثِقةً بعظيمِ فضل الله، وإيمانًا بأنَّه هو الرزَّاق ذو الفضل العظيم.

عن أنس رضي الله عنه أنَّ رجلاً سأل النبيَّ صلي الله عليه وسلم  غنمًا بين جبلين فأعطاه إيَّاه، فأتى قومَه فقال:” أيْ قوم، أسلِموا؛ فوالله إنَّ محمدًا ليُعطي عطاءً ما يخاف الفقر، فقال أنس: “إنْ كان الرجل ليُسْلِم ما يُريد إلا الدنيا، فما يُسْلم حتى يكونَ الإسلام أحبَّ إليه من الدنيا وما عليها“.(مسلم).

عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلي الله عليه وسلم  قال:”لوكان لي مثلُ أحُدٍ ذهبًا ما يسرُّني أنْ لا يمرَّ عليَّ ثلاث وعندي منه شيء، إلا شيء أرْصُده لدَيْنٍ”.( البخاري). ومن كرمه وسخائه صلي الله عليه وسلم أنه كان لايرد سائلاًَ فإن لم يكن معه اقترض وأعطاه ..وفي الصحيحين عن عبدا لله بن عبَّاس رضي الله عنهما قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلَّم أجودَ النَّاس، وكان أجودَ ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كلِّ ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلَرسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم أجوَدُ بالخير من الرِّيح المرسَلة“.

الجود والكرم من صفات الصحابة :

فعلى هذا الخُلق الكريم ربَّى رسولُ الله صلي الله عليه وسلم  أصحابَه، فكانوا يتنافسون في الجود والكرَم، ويتسابقون إلى البذل والعطاء، قال تعالى في وصفهم: ” وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ “(الحشر/9).

عن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: سمعتُ عمر بن الخطاب، رضي الله عنه يقول: “أمرنا رسولُ الله صلي الله عليه وسلم  يومًا أن نتصدَّق، فوافق ذلك مالاً عندي، فقلتُ: اليوم أسبِق أبا بكر إنْ سبقتهُ يومًا، فجئتُ بنصف مالي، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم  :”ما أبقيتَ لأهلِك؟”، قلت: مثله، قال: وأتى أبو بكر رضي الله عنه بكلِّ ما عنده، فقال له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: “ما أبقيتَ لأهلك؟” قال: أبقيتُ لهم اللهَ ورسولَه، قلتُ: لا أسابقك إلى شيء أبدًا”(الترمذي وأبو داود والحاكم).

وفي صحيح البخاري عن أبي عبدالرحمن، أنَّ عثمان رضي الله عنه حين حوصِر أشرَف عليهم، وقال: أنشدكم الله، ولا أنشد إلاَّ أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم  ألستم تعلمون أنَّ رسول الله صلي الله عليه وسلم  قال: “مَن حفر رومة فله الجنَّة”، فحفرتُها؟ ألستم تعلمون أنَّه قال:”من جهَّز جيشَ العُسرة فله الجنَّة”، فجهَّزتُهم؟ قال: فصدَّقوه بما قال.

  • مظاهر الكرم وفوائده:

خُلق الجود والكرم، ذلكم الخُلق العظيم الذي نحتاجه في كلِّ وقت وحين، ولابد من الحديث عن  مَظاهر الكرم وفوائده.

إنفاق العلم كرم :”بذل المرء وعطاؤه من علمه ومعرفته؛ فالكريم من لا يَكتم علمًا ولا معرفة، بل يُعَلِّم الناسَ ويدلهم على الخير، والبخيل هو الذي يَحتفظ بمعارفه وعلومه لنَفسه، بُخلاً ورغبة في الاستئثار والانفراد، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :”من دعا إلى هدًى، كان له من الأجر مثل أجور من تَبِعه، لا يَنقُص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالة، كان عليه من الإثم مثل آثام مَن تبعه، لا يَنقُص ذلك من آثامهم شيئًا”(مسلم).

وروى عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: ذُكِر لرسول الله   صلي الله عليه وسلم رجُلان أحدُهما عابد والآخَر عالم، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم :”فضل العالِم على العابِد كفضلي على أدناكم ، ثمَّ قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :”إنَّ الله وملائكته وأهل السموات والأرض، حتى النَّملة في جحرها وحتى الحوت – ليُصَلُّون على مُعلِّم الناسِ الخيرَ”( الترمذيُّ في سننه).

**بَذل النصيحة لمن هو في حاجة إليها؛ فالكريم لا يَبخل على إخوانه بأي نصيحة تفيدهم وتنفعهم في دينهم أو دنياهم، وقد عدَّ النبيُّ   صلي الله عليه وسلم من حقوق المسلم على أخيه أن ينصحه إذا طلب منه النَّصيحة؛ “… وإذا استنصَحَك، فانصَحْ له..” عن تميم الدَّاري رضي الله عنه، أنَّ رسول الله  صلي الله عليه وسلم قال:”الدِّينُ النَّصيحة”، قلنا: لمن؟ قال: “لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمَّة المسلمين وعامَّتهم”.(مسلم).

** بذل المرء وعطاؤه من أخلاقه وشِيَمه؛ فالكريم يعطي من مكانته وجاهه، ويعطي من عَطفه وحنانه، ويعطي من طلاقة وَجْهه وابتسامة ثغره وحُلو كلامه، ويعطي من وقته وراحتِه، ويعطي من سَمعه وإصغائه، ويعطي من حبِّه ورحمته، ويعطي من دعائه وشفاعته، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله  صلي الله عليه وسلم :”أكمَل المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خلقًا، وخيركم خيركم لنسائهم”( أحمد وابن حبان والترمذي ).

** بذل العبد وعطاؤه من طاقات جسده وقوَّته؛ فالجواد يعطي من معونته وخدماته وجُهده، يمشي في مصالِح النَّاس، ويَتعب في مساعدتهم، ويَسهر من أجل معونتهم، ويسعى في خدمتهم…؛ ففي الصَّحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كلُّ سُلامَى من النَّاس عليه صدَقة كلَّ يوم تطلع فيه الشمس؛ تعدِل بين الاثنين صدَقة، وتعين الرجلَ في دابَّته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعَه صدَقة، والكلمة الطيِّبة صدقة، وكل خطوة تَمشيها إلى الصلاة صدَقة، وتميط الأذى عن الطَّريق صدَقة.

**إكرام الوالدين ببرِّهما والإحسان إليهما بحسن القول والفعل والخُلق؛ فقد قال تعالى في وصيته لعباده:” وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا “(الإسراء: 23، 24).

**إكرام الأهل والأقارب؛ فمِن أحق النَّاس بجودك وكرمك أهلُك وقرابتك، بإكرامهم تكون الصلة ويكون التماسك الأُسري، عن  أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”دينارٌ أنفقتَه في سبيل الله، ودينار أنفقتَه في رَقبة، ودينار تصدَّقتَ به على مسكين، ودينار أنفقتَه على أهلك، أعظمُها أجرًا: الذي أنفقتَه على أهلك”(مسلم).  لأنَّ النَّفقة على القريب صِلَة وصدَقة وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:” خيرُكم خيركم لأهله، وأنا خيرُكم لأهلي”( الترمذيُّ وابن حبان والبيهقي، ). .

**إكرام الجار والضيف؛ فالكريم مَن يُكرم جارَه، والكريم من يُكرم ضيفَه ويكرم زائرَه، فذاك دليل على إيمان العبد بالله واليوم الآخر و عن أبي شريح العدوي رضي الله عنه قال: سمعَتْ أذُناي، وأبصرَتْ عيناي، حين تكلَّم النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقال: ((مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُكرم جارَه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُكرم ضيفَه جائزته))، قال: وما جائزتُه يا رسول الله؟ قال: “يوم وليلة، والضِّيافة ثلاثة أيام، فما كان وراء ذلك فهو صدَقة عليه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت”(مالك والبخاري ومسلم).  

فوائد الجود والكرم:

أخوة الإيمان والإسلام :

 عليكم بالجود والكرم؛ فإنَّ فوائده عظيمة، ونتائجه جليلة، فمن فوائده:

مضاعفة الأجر والثواب:

قال تعالى: ” مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ “(البقرة: 261). فعلى المسلِم أن يَنظر إلى المحتاجين الذين يقصدونه كما يَنظر إلى أسباب التجارة الرابحة، وليَعلَم أنَّ بذلَ اليوم وإن كان قليلاً فهو عند الله يوم القيامة أضعاف مضاعفة، لا يردُّه لصاحبه مِثلاً أو مِثليْن، بل يردُّه أضعافًا مضاعَفة، قال سبحانه: “مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ “(البقرة: 245). وقال عزَّ وجل: ” وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ “(سبأ: 39).

الأمن من الخوف والحزنِ يوم القيامة:

قال تعالى: ” الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ “(البقرة/274).

عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: “سمعتُ رسولَ الله صلي الله عليه وسلم يقول: “كلُّ امرئ في ظلِّ صدَقته حتى يُفصَل بين الناس”، أو قال:”يُحكمَ بين الناس”، قال يزيد: وكان أبو الخير – وهو مرثد بن عبدالله – لا يخطئه يومٌ لا يتصدَّق فيه بشيء، ولو كعكة، ولو بصلة”؛ ( أحمد وابن حبان وابن خزيمة والحاكم ).

زرع المحبة والمودة بين الناس:

فبالعطاء والسَّخاء تصفو النفوسُ من أمراض الحقد والكراهية، وتمتلئ بالمودَّة والمحبَّة؛ فإنَّ النفوس مجبولة على محبَّة أهل الكرَم والسَّخاء والإحسان، وعلى بُغض أهل البخل والشحِّ والإساءة.

و عن ابن شهاب قال: “غزا رسولُ الله صلي الله عليه وسلم  غزوةَ الفتح؛ فتح مكَّة، ثمَّ خرج رسول الله صلي الله عليه وسلم بمن معه من المسلمين، فاقتتلوا بحُنَيْن، فنصر الله دينَه والمسلمين، وأعطى رسولُ الله   صلي الله عليه وسلم يومئذٍ صفوانَ بن أمية مائة من النَّعَم ثمَّ مائة ثم مائة، قال ابن شهاب: حدَّثني سعيد بن المسيب أنَّ صفوان قال: والله لقد أعطاني رسولُ الله صلي الله عليه وسلم ما أعطاني وإنَّه لأبغضُ الناس إليَّ، فما برح يعطيني حتى إنَّه لأحبُّ الناس إليَّ”(مسلم).  فانظر كيف يتحول حال القلب بالعطاء والسَّخاء من بَغضاء إلى محبَّة، ومن عداوة إلى صداقة.

الخطبة الثانية :

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين أما بعد

فالسخاء والكرم والجود من أسباب زيادة المال ونموه وكثرته وبركته وزيادته..

وَعْدٌ من الله الذي لا يُخلف وعدَه أنَّ مَن شَكر الله تعالى على نِعمه فوظفها في طاعته، زاده الله تعالى من فضله وجوده وإحسانه، قال سبحانه: ” وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ “(إبراهيم: 7).

فمن الخطأ وسوء الظنِّ أن يظنَّ المرءُ أن الكرم والسَّخاء يَنقُص الثروةَ ويُقرِّب من الفقر، فهذا من وساوس الشيطان التي يلقيها في نفوس البخلاء، قال تعالى: “الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ “(البقرة: 268)، والحق أنَّ الكرم سبيل السَّعَة والغنى، وأنَّ السخاء سبب النَّماء، وأن الذي يجعل يديه مَمرًّا لعطاء الله يظلُّ مبسوطَ اليد بالنِّعمة، مكفولَ اليوم والغد بالعطاء الدَّائم من رحمة الله وكرمه وإحسانه.

فعن أبي كبشة الأنماري رضي الله عنه أنَّه سَمِع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول:”ثلاثة أقسِم عليهنَّ، وأُحَدِّثكم حديثًا فاحفظوه”، قال:”ما نقَص مالُ عبدٍ من صدَقة، ولا ظُلِمَ عبدٌ مَظلِمةً فصبر عليها إلا زاده الله عزًّا، ولا فتحَ عبدٌ بابَ مسألة إلاَّ فتح الله عليه بابَ فَقر” – أو كلمة نحوها – “وأحَدِّثكم حديثًا فاحفظوه”، قال: “إنما الدنيا لأربعة نَفَر: عبدٌ رزقه الله مالاً وعلمًا، فهو يتَّقي فيه ربَّه، ويَصِل فيه رَحِمه، ويعلم لله فيه حقًّا، فهذا بأفضل المنازل، وعبدٌ رزقه الله علمًا ولم يرزقه مالاً، فهو صادق النيَّة يقول: لو أنَّ لي مالاً لعملتُ بعمل فلان، فهو بنيَّته، فأجرهما سواء، وعبدٌ رزقه الله مالاً ولم يرزقه علمًا، فهو يخبط في ماله بغير علمٍ، لا يتَّقي فيه ربَّه، ولا يصل فيه رَحِمَه، ولا يعلم لله فيه حقًّا، فهذا بأخبث المنازل، وعبدٌ لم يرزقه الله مالاً ولا علمًا، فهو يقول: لو أنَّ لي مالاً لعملتُ فيه بعمل فلان، فهو بنيَّته، فوِزرُهما سواء”( أحمد والترمذي ). 

فليَعلمْ كلُّ مُنفِق كريم أنَّ ما أنفقه في سبيل الله باقٍ مدَّخَرٌ له إلى يوم القيامة؛ فعن عائشة رضي الله عنها أنَّهم ذبحوا شاةً، فقال النبيُّ صلي الله عليه وسلم : “ما بقي منها؟”، قالت: ما بقي منها إلاَّ كتفُها، قال: “بقي كلُّها غيرَ كتفها”( الترمذيُّ ).

و عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله  صلي الله عليه وسلم  قال: “يقول العبد: مالي مالي، إنَّما له من ماله ثلاث: ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو أعطى فاقتنى – أي ادَّخره لنفسِه في الآخرة – وما سوى ذلك فهو ذاهبٌ وتارِكُه للناس”(مسلم).

وعن عبدا لله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبيُّ صلي الله عليه وسلم :”أيُّكم مالُ وارثِه أحَبُّ إليه من مالِه؟”، قالوا: يا رسول الله، ما مِنَّا أحد إلا مالُه أحبُّ إليه، قال:”فإنَّ مالَه ما قدَّم،ومالُ وارثه ما أخَّر”(البخاري).

فما المالُ إلا ظلٌّ زائل، وعارِية مسترجَعة، انتقَل إلينا مِن غيرنا، وسينتقل منَّا إلى غيرنا، فلنتزوَّد منه ليومٍ يقف فيه العبادُ بين يدَي الله تعالى حفاة عراة، من غير مال ولا جاه، كما خُلقوا أول مرة، لا ينفعهم إلاَّ ما قدَّموه بين أيديهم من صالح الأعمال، قال سبحانه:” وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ “(الأنعام: 94).

نسأل الله تعالى أن يوفِّقنا لصالح الأعمال، وأن يَهدينا سبلَ الرَّشاد، وأن يجعلنا من عباده المحسنين.

اللهمَّ اجعلنا لأنعُمك من الشاكرين، ولآلائك من الذَّاكرين، واجعلنا يا رب ممَّن أكرَمتَهم في هذه الدنيا بمحبَّتك وعونك وتوفيقك وهدايتك وحِفظك، وفي الآخرة برضوانك وجنَّاتك، يا أرحم الراحمين، يا رب العالمين.

وصَلِّ اللهمَّ وسلِّم وبارك على نبينا وحبيبنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

 

 

اظهر المزيد

admin

مجلس إدارة الجريدة الدكتور أحمد رمضان الشيخ محمد القطاوي رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) تليفون (phone) : 01008222553  فيس بوك (Facebook): https://www.facebook.com/Dr.Ahmed.Ramadn تويتر (Twitter): https://twitter.com/DRAhmad_Ramadan الأستاذ محمد القطاوي: المدير العام ومسئول الدعم الفني بالجريدة. الحاصل علي دورات كثيرة في الدعم الفني والهندسي للمواقع وإنشاء المواقع وحاصل علي الليسانس من جامعة الأزهر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »